النظام المتري

منذ فجر الحضارات كان الإنسان يبحث عن نظام موحد لقياس العالم من حوله فتنوع الوحدات القياسية بين الحضارات والشعوب المختلفة شكل عائقًا كبيرًا أمام التبادل التجاري والمعرفي وفي خضم هذا التنوع برزت الحاجة المُلحة إلى لغة عالمية للقياس لغة تفهمها كل الأمم والشعوب. وهكذا، ولد النظام المتري ثمرة جهود علمية وثورات سياسية ليشكل نقطة تحول في تاريخ القياس. في وسط التطورات العلمية المتسارعة في القرن الثامن عشر بدأ التفكير في توحيد وحدات القياس.
ولادة نظام عالمي للقياس: دوافع الثورة الفرنسية

جاءت الثورة الفرنسية لتسريع هذه العملية فقد رأى قادة الثورة الفرنسيه في تبني نظام قياس جديد فرصة للتخلص من رموز النظام القديم الذي كانوا يسعون للإطاحة به وبالتالي تم وضع حجر الأساس للنظام المتري في فرنسا عام 1791 كرمز جديد لعصر جديد والتخلص من كل ما يُذكرهم بالماضي
تطور تعريف المتر: من الأرض الي قضيب البلاتين

تم البدأ بالطول فقرروا تأسيس «المتر»وهو اسم مُشتق من كلمة لاتينية معناها ( قياس ) كوحده ولهذا السبب النظام الكامل للقياس يدعى النظام المتري لقد حاولوا أصلاً جعل المتر بالضبط 40.000.000/1 من محيط دائرة الكرة الأرضية لكن إنقلبت الحسابات بسبب عدم الدقه في حساب محيط الكرة الأرضية في ذلك الوقت تم اعاده تعريف المتر ليكون المسافة بين علامتين على قضيب ( بلاتين – ايريديوم ) هذه المسطره محفوظة في متحف الأوزان والقياس العالمية في مدينة سيفر بالقرب من العاصمة باريس.
القياسات الفيزيائية: رحلة المتر من البلاتين إلى عنصر الكربتون

ثم في عام 1961م تم الإتفاق على أن يصبح المتر العياري يساوي (1650763.73) من طول ذبذبات تصدرها ذرة عنصر الكربتون (Kr86) على هيئة ضوء برتقالي اللون له طول موجي ثابت ودقيق للغاية في مصباح تفريغ كهربائي يحتوي على العنصر المذكور (عنصر الكربتون (Kr86)) حيث وصلت دقة قياسة (0.000000001/1000000000) أي أدق بمئة مرة من الطريقة السابقة بالإضافة إلى سهولة توافره في جميع المناطق ولا تتغير طول الذبذبات إذا تم صنعه تحت الظروف المعيارية.
انتشار النظام المتري وتبني العالم له

وبالفعل النظام المتري من السهل تذكره ومن السهل إستعماله. في البداية، مع ذلك، لم يرغب الناس بالتغيير وفي العام 1840 أصرت الحكومة الفرنسية بأن يستعمل الناس النظام المتري وإلا عوقبوا وتبنت الشعوب الأخرى النظام المتري تدريجياً واليوم يستعمله العالم اكمله تقريباً.
من المتر إلى الكيلوجرام: رحلة داخل النظام المتري
يوجد رابط جوهري بين المتر وبقية وحدات القياس في النظام المتري وهذا الارتباط يجعل النظام متماسكًا ومنطقيًا ويسمح بالتحويل بسهولة بين وحدات القياس المختلفة.
إليك شرح مبسط لكيفية ربط وحدات القياس المختلفة بالمتر :
- وحدة الحجم (السعة) :
- اللتر : تم تعريف اللتر أصلاً على أنه حجم مكعب طول ضلعه 10 سنتيمترات أي أنه يساوي 1000 سنتيمتر مكعب وهو ما يعادل 0.001 متر مكعب وهذا الربط يجعل التحويل بين الحجم والطول مباشرًا وسلساً .
- وحدة الكتلة (الوزن) :
- الكيلوجرام : في البداية تم تعريف الكيلوجرام على أنه كتلة 1 لتر من الماء النقي عند درجة حرارة معينة وضغط معين.
- الربط هنا غير مباشر ولكنه قائم على الحجم : حيث أن اللتر مرتبط بالمتر فإن الكيلوجرام مرتبط أيضًا بالمتر من خلال الماء الذي يشغل حجمًا محددًا.
- وحدات أخرى :
- الوحدات الزمنية : رغم أن الثانية ليست مرتبطة مباشرة بالمتر إلا أن العديد من الثوابت الفيزيائية التي تدخل في تعريف الثانية (مثل سرعة الضوء) ترتبط بوحدات الطول.
- الوحدات الكهربائية : الوحدات الكهربائية مثل الأمبير والفولت مرتبطة بوحدات أخرى مثل الطول والكتلة والزمن مما يجعل لها علاقة غير مباشرة بالمتر.
لماذا تم اختيار المتر كأساس وحجر زاويه للنظام المتري ؟
الطول : الطول هو أحد الأبعاد الأساسية التي نتعامل معها في حياتنا اليومية وكان من المنطقي اختياره كأساس لبناء نظام قياس متكامل فكل وحدات القياس في هذا النظام – الطول ، السعة ، الكتلة – إتصلت بطريقة ما إلى المتر.
منذ نشأته في أحضان الثورة الفرنسية، قطع النظام المتري شوطًا طويلًا ليصبح اللغة العالمية للقياس فما بدأ كحلم بتوحيد الوحدات القياسية تحول إلى حقيقة واقعة ساهمت في تطور الحضارة الإنسانية وتسهيل التواصل بين الشعوب. إن النظام المتري ليس مجرد مجموعة من الوحدات بل هو إرث حضاري يعكس تطلعات البشرية نحو التقدم والمعرفة ومع استمرار التطور العلمي والتكنولوجي من المتوقع أن يظل النظام المتري حجر الزاوية في عالم القياس لقرون قادمة.